الربيع هو وقت التجديد, وقت ضخ الحياة في الأشياء التي باتت في سبات عميق. كان من المفترض أن يكون شهر مايو بالنسبة للصين لحظة إعادة صناعتها النووية إلى الحياة بعد سنتين من الإختباء من السحابة الملقاة من كارثة فوكوشيما.
شركة صينية تستعد للفوز بمشروع رئيسي للطاقة النووية في تركيا و ذلك يبشربوصول الأمة كمصدر للتكنولوجيا المتقدمة و احرازها خطوات للوصول للخطوة التالية من سلسلة القيمة الصناعية.
و في النهاية اتضح أن التوقعات كانت خاطئة تماما. كما لو كانت متمنية حبر على اتفاق، فإن صحيفة الصين اليومية التي تديرها الدولة على ثقة من أن المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية (CGNPG) كانت على مقربة من إنهاء إتفاق ب22 مليار دولار (135 مليار يوان) في أوائل مايو فقط من أجل أن يتم منحها للتحالف الياباني.
لأكثر من عقد من الزمن، قامت شركات الطاقة النووية المملوكة للدولة بتطوير مهاراتهم في هذا المجال. بكين حريصة على تطوير قادة العالم في التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النووية هي هدفها الاثمن.
من حيث حجم السوق النووية ، فإن الصين بالفعل هي رقم واحد. ولكن الريادة في مجال التكنولوجيا النووية لن يأتي بسهولة.
فإن شركاتها لم تتمكن من التفوق في العمليات الدقيقة اللازمة في المنافسة العالمية للمشاريع النووية. و كما هو الحال مع الدفع العام الصيني لسلسلة القيمة، فإن استراتيجيتها القديمة التي تركز على التكلفة مع الاستثمار غير المحدود لن تكون كافية.
السلامة أولا
كانت الصين قد اقتحمت مجددا مجال تطوير الطاقة النووية منذ التوقف لكارثة فوكوشيما في مارس 2011 مع تعليق الخطط النووية في جميع أنحاء العالم.
المواطنين خرجوا إلى شوارع المدن في جميع أنحاء العالم احتجاجا على مخاطر الطاقة الذرية في حين أن الحكومات بدأت تفكر في إلغاء الطاقة النووية. المسؤولين في بكين طالبوا بوقف فوري لانشاءات المحطات النووية وأرسلت فرق من المفتشين لفحص إجراءات السلامة على مدى تسعة أشهر.
في مايو 2012، أشار مجلس الدولة الي أول دلائل على استكمال مشاريع الطاقة النووية عندما تم الموافقة على خطة السلامة عن الفترة من 2011-2015. وأكد تقرير أصدرته وزارة حماية البيئة في أكتوبر, بوصف خطة الصين لنشر 12.75 مليار دولار أمريكي لرفع مستوي أمن منشاتها النووية ومراقبة التلوث الإشعاعي للمعايير الدولية, اتجاة التنمية النووية المحلية.
وفي الشهر الماضي، كشف مجلس الدولة عن خطة لمعالجة حالات الطوارئ النووية، واستكمل تعزيز نظام الأمان الجديد في البلاد. وتقود الصين الطريق علي الصعيد العالمي في بدء مفاعلات الجيل الثالث بالعمل, تلك التي تستوفي معايير الأمان الأكثر صرامة حتى الآن.
وكتبت اوليفيا بويد في بداية يوليو، وهي محللة للطاقة مع شركة البحوث العالمية IHS جلوبال انسايت و التي مقرها في بكين: “إن التركيز علي السلامة قد يبطئ الخطط الصينية الطموحة لزيادة القدرات المحلية في الأجل القريب ولكن من المحتمل أن تكون شركات الطاقة النووية الصينية حريصة علي أقامة سجلات للمسار المحلي لتكنولوجيات المفاعل الجيل الثالث المطور محليا وفي سعيها لتصبح قادرة علي المنافسة في سوق التصدير العالمية “.
الريادة في السوق
وخلال ما يزيد قليلا علي عقدين من الزمان، تحولت الصين من عدم إمتلاكها لمحطات للطاقة النووية لتصبح أكبر أمل للصناعة العالمية اليوم.
وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان الصين هي أكبر سوق للطاقة النووية في العالم بفضل المفاعلات التي يجري بناؤها، وهم ثمانية و عشرون بحسب اخر إحصاء أو ما يمثل 40 في المئة من إجمالي المفاعلات علي مستوي العالم. وهذا الحجم الهائل يعني أنها ستكتسب في نهاية المطاف الخبرة الفنية عبر سلسلة الإمدادات النووية بأكملها بداية من مكونات التصنيع إلى تركيب المفاعلات.
وقال لين بوتشيانغ مستشار الطاقة في اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين ومدير المركز الصيني لبحوث اقتصاديات الطاقة في جامعه شيامن أن الصين أصبحت زعيمة عالمية في الطاقة الحرارية بعد 20 عاما ببناء عدد كبير من مصانعها الخاصة بالفحم و يمكنها عمل ما يشابه ذلك في الصناعة النووية.
وفي الوقت الحالي، ما زالت الشركات الصينية تعتمد علي الموردين الأجانب مثل أريفا الفرنسية و وايت ويستنجهاوس الأمريكية في لتوفير الكثير من الخبرات الفنية التي لا تزال تفتقر إليها محليا. وفي السنوات الثماني الماضية، وقع الطرفان اتفاقات مع شركاء محليين مختلفين لتوفير الدعم اللازم بداية من الدعم التصنيعي والتصميم للخبرة الإدارية.
وشملت هذه الصفقات عمليات نقل للتكنولوجيا مثيرة للجدل.
وفي حالة ويستنغهاوس، ستقوم الشركة التي تملكها توشيبا ببناء أربعة من مفاعلات الجيل الثالث AP1000 التابعة لها مع شركة تكنولوجيا الطاقة النووية المملوكة للدولة (SNPTC) ثم تسليم الحقوق في بناء المفاعلات مستقبليا استنادا إلى التصميم الذي عدله الجانب الصيني. وقد اتهم مجلس الدولة SNPTC بالحصول علي الجيل الثالث من تكنولوجيات الطاقة النووية من الدول الأخرى ونقلها إلى الصين.
ومن خلال تعاونها المختلف مع الشركات الدولية فضلا عن البحوث الداخلية، اكتسبت SNPTC و المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية CGNPG خبرة في بناء المصانع والمفاعلات وفي تصنيع المكونات. غير أنها لا تزال تعتمد علي شركائها الأجانب في مجالات مثل نظم تصنيع المعدات الخاصة و أنظمة مراقبة المحطات.
وسد هذه الفجوة ليس مجرد عملية طويلة من حيث القدرات التقنية: بل إنها تتطلب أعادة التفكير في الثقافة الداخلية و في قدرة الشركات الصينية علي الابتكار.
وقال ون تشانغ، مدير وحدة الأعمال النووية في مكتب فيريتاس، وهو مكتب استشاري للاختبار والتفتيش وخدمات الشهادات مقره في شانغهاي، لمجلة استعراض إقتصاد الصين “إنها لا تشتمل عن الاستثمار فقط؛ بل يمكنك الحصول علي أفضل آلات والمال وأفضل الموظفين ولكن هذا لا يساعد علي جعله أفضل “
وقد يتمثل أحد النهج في النظر في الكيفية التي برزت بها الشركات الروسية كموردة رئيسية للمعدات والخدمات النووية إلى البلدان التي قد تعتبرها الصين نفسها من عملائها المحتملين. وقال شنغكي تشي المهندس النووي الاكبر بشركة الخدمات التقنية النووية AMEC في المملكة المتحدة ان روساتوم المملوكة للدولة قد احرزت تقدما لتصبح هيئة نووية ديناميكية جاهزة للاستثمار و توظف الأجانب.
الخروج
وتقوم شركة الهندسة الصينية العملاقة ببناء الطرق والسكك الحديدية والسدود في أنحاء كثيرة من جنوب شرق اسيا وافريقيا بفضل النفوذ السياسي والمالي لبكين مع الدول النامية. وفي الوقت نفسه فان نظرائهم النوويين يكافحون لكسب العمل في اي مكان.
التنافس علي التكلفة هو الميزة التنافسية الاساسية للشركات الصينية في الخارج. وأشار تشانغ إلى ان المسؤولين الحكوميين والجمهور العام يهتمون أكثر بسلامة و جودة المنشئات النووية.
وإدراكا من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات النووية للحاجة إلى إثبات أن بإمكانهم تقديم مشاريع نووية اقل تكلفه وأمنا، فانهم يفكرون في كيفيه القيام بذلك.
وقال أرنود ليفافر-باريل, المدير الإداري لشركة دينابوند باور تيك لمجلة استعراض إقتصاد الصين, أن بإمكانهم البدء بالسماح للدول الاخري أن تقوم بمراجعة المفاعلات الصينية و هو الشي الذي ترددت بعض الشركات في الموافقة عليه حتى الآن.
وينبغي للمؤسسات الصينية أيضا أن تولي اهتماما أكبر للاتجاهات الناشئة في الصناعة النووية وان تعرف كيفية تقديم العطاءات الناجحة. وأشار ليفافر-باريل إلى أن المشروعات الأخيرة في أوروبا وتركيا فازت بها الاتحادات – وهي مجموعة من الشركات التي يقدم كل منها خدمات متخصصة مثل البناء أو إدارة المحطة.
واستشهد الخبراء بمجموعة من الأسباب التي سببت فشل CGNPG في تركيا. ومن الواضح أن الشركة، مثلها مثل غيرها من الشركات النووية الصينية، تحتاج إلى النظر بشكل أفضل في كيفية تقديم مجموعة من العطاءات المقنعة. وهذا يعني طمأنة الحكومات الاجنبية إلى ان التكنولوجيا المحلية أمنة ورخيصة، ولا تعتمد علي القنوات الدبلوماسية للاعمال التجارية، وتقبل الشراكات مع الشركات الاجنبية في المشاريع الدولية.
ومع مراعاه ذلك، ينبغي ان تكون الشركات قادرة علي تجنب الفشل المحرج عند تقديم العطاءات علي المشاريع الخارجية في المستقبل.